موريتانيا والجزائر.. تحالف دفاعي وفرصة وساطة في صحراء متقلبة

في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية بمنطقة الساحل، شهدت العاصمة الجزائر زيارة رسمية هامة لوزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي، استمرت أربعة أيام، وشملت لقاءات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ووزير الدفاع الجزائري، انتهت بتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي جديدة بين البلدين.

تعزيز التعاون الثنائي… في توقيت حساس

الاتفاق الذي تم توقيعه يسمح بتكثيف التعاون العسكري والأمني بين الجزائر ونواكشوط، ويشمل تبادل الخبرات، تدريب الكوادر العسكرية، تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى تأمين الحدود البرية وخطوط التجارة المشتركة.

تأتي هذه الخطوة في وقت حساس تشهده المنطقة، حيث تعيد دول الساحل ترتيب أوراقها الأمنية بعد انسحاب بعض القوات الأجنبية، وتصاعد تهديدات الجماعات المسلحة العابرة للحدود.

خلفيات إقليمية: أزمة الجزائر ومالي

زيارة الوزير الموريتاني تأتي في خضم أزمة متصاعدة بين الجزائر ومالي، على خلفية اتهامات متبادلة تتعلق بدعم جماعات معارضة والتدخل في الشؤون الداخلية.
فالعلاقات بين باماكو والجزائر شهدت في الأشهر الماضية تدهورًا ملحوظًا، مما دفع الجزائر إلى إعادة تقييم تموضعها الإقليمي وإعادة فتح قنوات التعاون مع شركاء موثوقين في الساحل، وعلى رأسهم موريتانيا.

موريتانيا: لاعب توازن واستعداد لدور الوساطة؟

بخلاف دول أخرى في المنطقة، حافظت موريتانيا على سياسة خارجية تتسم بالحياد الإيجابي تجاه مختلف أطراف النزاعات.
ومع توقيع الاتفاق الدفاعي مع الجزائر، تبدو نواكشوط مرشحة للعب دور “قناة تواصل” بين الجزائر ومالي، خصوصاً أن علاقاتها مع باماكو لم تتأثر بالتوتر الأخير، وظلت تراهن على الحوار والوساطة كأدوات لإدارة الأزمات الإقليمية.

تعزيز التعاون الدفاعي مع الجزائر قد يمنح موريتانيا ثقلاً إضافيًا في جهود الوساطة المنتظرة، لا سيما إذا استثمرت دعمها لعلاقات متوازنة مع كافة أطراف الأزمة.

أبعاد أوسع: إعادة تشكيل التحالفات في الساحل

زيارة وزير الدفاع الموريتاني وما تمخض عنها من اتفاقات تندرج أيضًا ضمن مشهد أوسع لإعادة تشكيل التحالفات الأمنية والسياسية في منطقة الساحل:

  • حيث يشهد “مجموعة دول الساحل الخمس” (G5 Sahel) حالة استقطاب متزايدة بعد انسحاب مالي، ومحاولات نيجيرية وبوركينابية لخلق أطر تعاون جديدة بعيدة عن فرنسا والغرب.

  • بينما تسعى الجزائر إلى لعب دور أكبر في تأمين حدودها الجنوبية، عبر شراكات إقليمية مباشرة مع دول مثل موريتانيا والنيجر.

زيارة وزير الدفاع الموريتاني للجزائر لا يمكن قراءتها باعتبارها مجرد حدث بروتوكولي، بل تمثل حلقة مهمة في سلسلة تحركات إقليمية تهدف إلى بناء توازنات جديدة في فضاء الساحل المتوتر.
ومع اشتداد الحاجة إلى وسطاء موثوقين، تبدو موريتانيا مؤهلة، بحكم سياستها المتزنة، لتكون جسراً بين أطراف الأزمة، مستفيدة من تعزيز شراكاتها الدفاعية مع قوى إقليمية كبرى مثل الجزائر.

ويبقى السؤال المطروح:
هل تنجح نواكشوط في استثمار هذه الديناميكية الجديدة لترسيخ موقعها كوسيط رئيسي في أزمات الساحل، أم أن تعقيدات الميدان ستفرض عليها تحديات تفوق قدرات المناورة التقليدية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!