في خطوة مفاجئة، قامت وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي، السيدة هدى باباه، بجولة تفقدية لعدد من المدارس في نواكشوط، حيث حثّت المدرسين على الالتزام بواجباتهم التربوية. جاءت هذه الزيارة في وقت يشهد فيه قطاع التعليم حالة من الجدل، إثر قرارات إصلاحية اتخذتها الوزارة. وبينما تؤكد الوزيرة على سعي الحكومة لتعزيز جودة التعليم، تصاعدت الانتقادات من قبل نقابات المعلمين والخبراء الذين يرون في بعض هذه القرارات عواقب غير محسوبة على النظام التعليمي.
قرار منع المدارس الحرة: خطوة نحو الإصلاح أم سبب للأزمة؟
من أبرز القرارات المثيرة للجدل، قرار منع المدارس الحرة من تدريس الصفوف الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية، بهدف تعزيز جودة التعليم في المدارس الحكومية. لكن النتائج لم تكن كما هو متوقع؛ إذ أدى القرار إلى اكتظاظ الفصول في المدارس الحكومية، حيث باتت تستوعب أعدادًا تفوق طاقتها الاستيعابية بكثير.
يقول الأستاذ محمد الأمين، معلم في مدرسة حكومية بنواكشوط: “الفصول الآن مكتظة بشكل يعوق قدرة المدرسين على توصيل المعلومات بشكل جيد، مما ينعكس سلبًا على مستوى استيعاب الطلاب”. في المقابل، يشير مدير إحدى المدارس الحرة إلى أن “هذا القرار أجبرنا على استبعاد طلاب كانوا يرغبون في التسجيل، مما أثار استياء أولياء الأمور ودفع البعض إلى البحث عن حلول غير قانونية لضمان التحاق أبنائهم بالتعليم”.
من جهة أخرى، يعقب الخبير التربوي الدكتور محمد الحسن على الوضع قائلاً: “بدلاً من معالجة مشكلات النظام التعليمي، وجدت الوزارة نفسها في مواجهة تبعات قراراتها دون تحضير كافٍ. كان ينبغي على الوزارة دراسة الأثر المتوقع قبل تطبيق مثل هذه القرارات”.
البنية التحتية: هل تستجيب للضغوط المتزايدة؟
على الرغم من تأكيدات الوزيرة حول تعبئة الموارد وتوفير التجهيزات اللازمة، يبقى ضعف البنية التحتية للمدارس أحد أكبر التحديات. فقد أدى الاكتظاظ إلى تدهور بيئة التعلم، حيث يجد المعلمون صعوبة في السيطرة على الفصول المزدحمة، ناهيك عن تدني مستوى تجهيز المدارس.
تؤكد السيدة فاطمة بنت أحمد، معلمة وعضو في إحدى نقابات التعليم، أن “الوزارة يجب أن تتخذ خطوات جدية لتحسين بنية المدارس وتوسيعها. فبالضغط الحالي، تتضرر العملية التعليمية، ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح دون بيئة تعليمية مناسبة”.
قرار “5+2”: إصلاح جديد أم عقبة أخرى؟
أثار قرار وزارة التربية، المتعلق بإلزام معلمي السنة السادسة من التعليم الابتدائي بتدريس السنة الخامسة أيضًا، والمعروف في الوسط التعليمي بقرار “5+2″، جدلًا كبيرًا. القرار يتضمن تخصيص 5 معلمي عربية و2 معلمي فرنسية لكل مدرسة، على أن يُكلف معلم واحد بتدريس السنتين الخامسة والسادسة. ترى النقابات أن هذا القرار يعكس غياب التخطيط السليم ويظهر عدم فهم الوزارة لواقع المدارس، معتبرين أن هذا التوجه يهدف فعليًا إلى تدمير النظام التعليمي بدلًا من إصلاحه.
وفي هذا السياق، يقول الأستاذ إسماعيل ولد الطالب، معلم في مدرسة حكومية: “نحن نواجه تحديات كبيرة بالفعل مع اكتظاظ الفصول، وإلزام المعلم بتدريس فصلين لن يساعدنا على تحسين أداء الطلاب. على العكس، ستكون هناك نتائج كارثية إذا لم تتراجع الوزارة عن هذا القرار”.
بينما ترى السيدة مريم بنت السالم، مديرة في وزارة التعليم، أن “قرار 5+2 جزء من استراتيجية شاملة لتحسين التعليم، وهو قابل للتعديل بناءً على التقييم المستمر”.
التحايل والفوضى التنظيمية: تداعيات غير متوقعة
مع تزايد الضغط على المدارس الحكومية، انتشرت ظاهرة التحايل من قبل بعض المدارس الخاصة، التي تحاول بطرق ملتوية استقطاب الطلاب المحظور تسجيلهم. هذه الظاهرة تعكس الفجوة التنظيمية وتعقيد المشهد التعليمي في ظل الإصلاحات الحالية.
ويعلق الخبير التربوي الشيخ ولد عبد الله قائلاً: “ظهور هذه الممارسات يعكس عدم وضوح السياسات، ويبرز الحاجة إلى رقابة صارمة لضمان تنفيذ القرارات بشكل عادل وفعال”.
السيناريوهات المستقبلية: كيف يمكن للوزارة معالجة الوضع؟
في ظل هذه التحديات، تواجه الوزيرة هدى باباه خيارات صعبة. هناك حاجة ماسة لإيجاد حلول وسطى تحقق التوازن بين الإصلاح والاستجابة لمطالب المعلمين والنقابات:
1. إعادة النظر في قرار منع المدارس الحرة**: يمكن للوزارة تعديل هذا القرار للسماح للمدارس الخاصة بتدريس الصفوف الأولى والثانية ضمن ضوابط محددة.
2. تحسين البنية التحتية**: تخصيص ميزانية إضافية لبناء فصول دراسية جديدة وتجهيز المدارس الحالية، بما يخفف من مشكلة الاكتظاظ.
3. مراجعة نظام “5+2″**: قد تضطر الوزارة إلى تعديل هذا النظام إذا استمرت النقابات في الضغط، خصوصًا إذا تبيّن أن تأثيره على الطلاب سلبي.
إصلاح التعليم في موريتانيا يتطلب رؤية واضحة وتخطيطًا استراتيجيًا. ومع استمرار التحديات، يظل الأمل في تحسين النظام التعليمي قائمًا، لكن النجاح يعتمد على قدرة الوزارة على الاستماع لمختلف الآراء وتكييف سياساتها مع الواقع الميداني. الوزيرة هدى باباه أمام اختبار حقيقي، وفي حال تمكنت من تحقيق توازن بين القرارات الإصلاحية ومتطلبات الميدان، فقد تشهد موريتانيا نقلة نوعية في نظامها التعليمي.