نواكشوط – 21 ديسمبر 2024
بعد أسبوع من انعقاد قمة الدول الفرنكفونية في العاصمة السنغالية دكار، تواصل موريتانيا تحليل نتائج مشاركتها في هذا الحدث الدولي الهام.
القمة التي عُقدت في 12-13 ديسمبر 2024 جمعت ممثلين عن 88 دولة ومنظمة دولية، ناقشت خلالها مجموعة من القضايا الاقتصادية والثقافية والسياسية.
وقد أثارت تصريحات وفد موريتانيا في القمة نقاشات واسعة بشأن دور البلاد في تعزيز العلاقات مع الدول الناطقة بالفرنسية في عدة مجالات، خاصة في المجالات الاقتصادية، الثقافية والتعليمية.
مشاركة موريتانيا في القمة:
شهدت القمة الفرنكفونية هذا العام حضور موريتانيا بوفد رفيع المستوى، بقيادة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أكد في كلمته على أهمية تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة، مشددًا على ضرورة تعزيز التبادل الاقتصادي والثقافي لمواجهة التحديات العالمية المشتركة.
كما دعا إلى تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، وهو ما يتماشى مع الموقف الثابت لموريتانيا في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي.
وأشار الوزير الموريتاني للشؤون الخارجية، أحمدسالم مرزوك ، في تصريحات صحفية بعد القمة، إلى أن “الفرص التي يمكن لموريتانيا الاستفادة منها في مجالات الطاقة والتعليم والمعادن والتجارة، تتطلب تعزيز شبكة العلاقات مع الدول الفرنكفونية”. وأضاف: “نأمل أن تفتح القمة أمامنا آفاقًا جديدة للتعاون خاصة مع البلدان الأوروبية والأفريقية الناطقة بالفرنسية”.
الفرص الاقتصادية والتجارية:
فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، جاءت القمة كمنصة للحديث عن تعزيز التجارة بين موريتانيا والدول الفرنكفونية. تشير التقارير الصادرة عن وزارة التجارة الموريتانية إلى أن التجارة الثنائية بين موريتانيا والدول الفرنكفونية بلغت 1.3 مليار دولار في عام 2023، مع توقعات بزيادة هذه الأرقام في السنوات المقبلة بفضل المبادرات التي تم الإعلان عنها في القمة.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي الموريتاني، الدكتور أحمد ولد بابا، أن “مشاركة موريتانيا في القمة قد تفتح فرصًا جديدة في قطاعات الطاقة والتعدين، خاصة مع فرنسا التي تعد من أكبر المستثمرين في هذا القطاع في موريتانيا”.
وأضاف: “يمكن للقطاعين الخاص والعام الموريتانيين الاستفادة من خبرات الشركات الفرنسية في مجال الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وهي المجالات التي يحتاج فيها الاقتصاد الموريتاني إلى المزيد من التعاون الدولي”.
التعاون الثقافي والتعليم:
من جانب آخر، استعرضت موريتانيا في القمة جهودها لتعزيز التعليم باللغة الفرنسية، حيث يشكل التعليم أحد المجالات الحيوية التي تركز عليها الحكومة الموريتانية في علاقتها مع الدول الفرنكفونية. وأكدت وزارة التعليم الموريتانية أن عدد الطلاب الذين يتلقون التعليم باللغة الفرنسية في مدارس موريتانيا يزداد سنويًا، حيث سجل العام الدراسي 2023-2024 نحو 160,000 طالب موريتاني في المدارس التي تعتمد المنهج الفرنسي.
وأبرز السفير الفرنسي في موريتانيا، أهمية التعاون الثقافي بين البلدين، قائلاً: “فرنسا تدعم بشدة جهود موريتانيا في تعزيز التعليم باللغة الفرنسية، والتبادل الثقافي بين البلدين يشكل حجر الزاوية لتعميق العلاقات الثنائية”.
وأضاف أن “العديد من المنح الدراسية والفرص التدريبية تمثل جزءًا من هذا التعاون الذي يعزز العلاقات الثقافية والتعليمية”.
التحديات والفرص المستقبلية:
على الرغم من الفوائد التي يمكن أن تجنيها موريتانيا من تعزيز علاقاتها مع الدول الفرنكفونية، إلا أن هناك بعض التحديات التي قد تواجهها. فقد أشار خبراء في العلاقات الدولية إلى أن الاقتصاد الموريتاني لا يزال يعتمد بشكل كبير على القطاعات التقليدية مثل التعدين والزراعة، وهو ما يحد من استفادتها الكاملة من هذه العلاقات.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور محمد ولد عبد الله، الخبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية، أن “التحديات التي تواجه موريتانيا في تحقيق فوائد ملموسة من التعاون مع الدول الفرنكفونية تتعلق أساسًا بضعف تنوع اقتصادها وافتقارها إلى بنية تحتية متكاملة في بعض القطاعات”. وأضاف أن “موريتانيا تحتاج إلى استثمارات ضخمة في قطاع التكنولوجيا والتعليم لتعزيز قدراتها التنافسية على المدى الطويل”.
الدور السياسي لموريتانيا في القمة:
من الناحية السياسية، أكدت القمة على أهمية العمل المشترك بين الدول الفرنكفونية لمواجهة التحديات العالمية، مثل التغير المناخي والإرهاب. وفي كلمته خلال القمة، دعا الرئيس الموريتاني إلى تعزيز الحوار بين الدول الأعضاء في المنظمة لمكافحة ظاهرة الإرهاب، التي تهدد استقرار العديد من الدول في المنطقة.
وأشاد الدكتور جون بيير هاريس، أستاذ العلاقات الدولية بدور موريتانيا في القمة قائلاً: “مشاركة موريتانيا كانت استراتيجية، إذ إن البلاد تستفيد من هذه المنظمات لتوسيع نفوذها في القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما يعكس تحولًا مهمًا في دورها السياسي”.
الآفاق المستقبلية:
بحلول العام 2025، من المتوقع أن تتعزز العلاقات بين موريتانيا والدول الفرنكفونية، خاصة مع تنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها في القمة، سواء في المجالات التجارية أو الثقافية.
كما يتوقع أن تكون هناك فرص جديدة للاستثمار، خاصة في قطاع الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، اللذين يعتبران من الأولويات في البرنامج التنموي الوطني لموريتانيا.
وفي ختام القمة، أعرب المسؤولون في موريتانيا عن تفاؤلهم بأن نتائج هذه المشاركة ستؤدي إلى تعزيز مكانتها على الساحة الدولية وتساهم في فتح مزيد من فرص التعاون مع الدول الفرنكفونية في المستقبل.