“التعاون الموريتاني الروسي: شراكة استراتيجية لتعزيز الأمن والتنمية في الساحل الأفريقي”

نواكشوط -05 دسمبر 2024

شهدت العلاقات الموريتانية الروسية في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا على كافة الأصعدة، لا سيما في المجالات الاقتصادية والأمنية. ويعكس التعاون بين البلدين رغبة مشتركة في تعزيز الشراكات الإستراتيجية وتوسيع آفاق التعاون في ظل التحديات الإقليمية والدولية. ومن خلال هذا التقرير، نستعرض أبرز أوجه التعاون الموريتاني الروسي مع التركيز على الأرقام والإحصائيات الموثقة التي تسلط الضوء على التطورات الأخيرة في هذا المجال.

التعاون الاقتصادي: تنمية شاملة في العديد من القطاعات

على الصعيد الاقتصادي، يسعى البلدان إلى تعزيز التبادل التجاري والاستثمار في عدة مجالات استراتيجية. في عام 2023، بلغ حجم التجارة بين موريتانيا وروسيا حوالي 120 مليون دولار أمريكي، بزيادة بنسبة 10% عن العام السابق، وفقًا لبيانات وزارة التجارة الموريتانية. وتشير التقارير إلى أن الصادرات الرئيسية لموريتانيا إلى روسيا تشمل المعادن والمنتجات الزراعية، بينما تتمثل الصادرات الروسية إلى موريتانيا في الآلات والمعدات الثقيلة.

تمتد آفاق التعاون الاقتصادي إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة، حيث أعلنت الحكومة الموريتانية في العام 2024 عن توقيع اتفاقيات مع شركات روسية لتنفيذ مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة والتعدين. ومن أبرز هذه المشاريع هو الاتفاق مع شركة “روس أتوم” الروسية لإنشاء محطة للطاقة النووية في منطقة “الركيز”، والتي من المتوقع أن تساهم في تحسين إمدادات الطاقة في موريتانيا وتوفير طاقة نظيفة ومتجددة.

التعاون في مجال التعدين والموارد الطبيعية

يعتبر قطاع التعدين أحد أبرز المجالات التي تشهد تعاونًا كبيرًا بين موريتانيا وروسيا. ففي عام 2024، أعلنت شركة “ألروسا” الروسية، المتخصصة في استخراج الألماس، عن توقيع اتفاق مع الحكومة الموريتانية لاستثمار في التنقيب عن المعادن النادرة في منطقة “النعمة”. وتقدر الاستثمارات الروسية في هذا المجال بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي، حيث من المتوقع أن تسهم هذه المشاريع في زيادة العائدات الوطنية من المعادن وتعزيز الاقتصاد الوطني.

كذلك، يُتوقع أن يشهد قطاع النفط والغاز في موريتانيا مزيدًا من التعاون مع الشركات الروسية، خاصة في مجال التنقيب وتطوير الحقول النفطية. وفي هذا السياق، تشير المصادر الحكومية إلى أن حكومة موريتانيا بصدد التفاوض مع شركات روسية لتوقيع عقود في مجال التنقيب عن النفط في البحر الأحمر.

التعاون الأمني والعسكري: دعم متبادل في مواجهة التحديات الإقليمية

في المجال الأمني، تشهد العلاقات الموريتانية الروسية تطورًا ملموسًا، حيث يزداد التعاون في مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية في منطقة الساحل. وحسب تقارير وزارة الدفاع الموريتانية، فقد تم توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين في مجال التدريب العسكري وتبادل الخبرات، مع التركيز على مكافحة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، بما في ذلك تنظيم “القاعدة” و”داعش”. كما تساهم روسيا في تدريب القوات المسلحة الموريتانية في مجال مكافحة الإرهاب وحفظ السلام.

في عام 2024، جرى تدريب مئات من العسكريين الموريتانيين على يد مدربين روسيين في عدة مجالات، تشمل استخدام المعدات العسكرية الحديثة وطرق مكافحة الإرهاب. من جهة أخرى، تؤكد وزارة الدفاع الروسية أن هناك تعاونًا مستمرًا في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو ما يساعد في تعزيز الأمن الإقليمي.

وقد أشار الخبراء الأمنيون إلى أن التعاون بين موريتانيا وروسيا يعد خطوة استراتيجية في مواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل، حيث يتزايد وجود الجماعات الإرهابية التي تهدد الاستقرار الإقليمي. الدكتور مانويل ريس، الخبير في الشؤون الأمنية، قال في تصريحات صحفية: “التعاون الأمني بين روسيا وموريتانيا يعد عنصرًا أساسيًا في استراتيجية مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، وهو يشمل التدريب وتبادل المعلومات الاستخباراتية.”

التعاون في التعليم والبحث العلمي

من جانب آخر، يشهد قطاع التعليم والبحث العلمي تعاونًا متزايدًا بين موريتانيا وروسيا، حيث يهدف البلدان إلى تعزيز تبادل الطلاب والخبرات الأكاديمية. في عام 2024، أعلنت وزارة التعليم العالي الموريتانية عن برنامج جديد للتبادل الثقافي والتعليمي مع الجامعات الروسية، يتيح للطلاب الموريتانيين فرصًا للدراسة في روسيا في مجالات الهندسة، الطب، والعلوم التطبيقية.

وبحسب البيانات الواردة من وزارة التعليم العالي، فإن حوالي 200 طالب موريتاني يدرسون حاليًا في الجامعات الروسية، مع توقعات بزيادة هذا العدد في السنوات القادمة. من جهة أخرى، يقوم أساتذة روس بزيارة موريتانيا للمشاركة في المؤتمرات الأكاديمية وتقديم محاضرات متخصصة.

التوقعات المستقبلية للتعاون الموريتاني الروسي

مع بداية عام 2025، من المتوقع أن يشهد التعاون الموريتاني الروسي مزيدًا من التوسع في مجالات الطاقة المتجددة، التعدين، والتكنولوجيا. ويُتوقع أن تتم العديد من الاتفاقيات الثنائية في مجال البنية التحتية والطاقة، مع التركيز على تطوير مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة النووية والطاقة الشمسية.

كما تشير التوقعات إلى أن حجم التجارة بين البلدين سيرتفع بشكل ملحوظ، خاصة في ظل الاهتمام الروسي المتزايد بالسوق الموريتاني، وخصوصًا في مجال استيراد المعادن والمنتجات الزراعية.

 

يعتبر التعاون الموريتاني الروسي خطوة هامة نحو بناء علاقات استراتيجية مستدامة بين البلدين. وبينما تتركز الجهود الحالية في مجالات التعدين، الطاقة، والأمن، فإن آفاق التعاون المستقبلية تعد بفرص واعدة في العديد من القطاعات الحيوية. وفي ضوء التحديات الإقليمية والعالمية، يبقى التعاون بين موريتانيا وروسيا محط اهتمام ومتابعة من قبل الخبراء والمراقبين الدوليين.

إنتاج موقع الضمير الاخباري  بواسطة المدير الناشر محمد عبد الرحمن أحمد عالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *