المثقف الذي يمتلك خاصية التحور والتأقلم مع كل حدث وكل موقف دون حدود تحده لا يمكن وصفه بالجمود غير أنه لا يصلح حارسا لقيم الدولة والمجتمع التي تتطلب التسليم والإيمان ببعض الثوابت.
التسليم والإيمان المذكور هو ما تنبت منه قابلية التضحية والاستعداد لحراسة مصالح الدولة والمجتمع التي يصطلح عليها ب(الوطنية).
أغلب المثقفين في البلاد الموريتانية اليوم يتعامل مع الواقع ومع مصالح بلده السياسية والاجتماعية وكأنه يتلاعب بعبارات المجاملة أو يعالج نصا شعريا أو نثريا يعبر فيه عن ذاتيته، ما يجعل (المبدع) يغير موقفه حسب الحاجة فيتحور ليساير كل ركب متمايلا مع الرياح سواء كانت انقلابية دبورية أم سياسية أم فكرية أم مذهبية.
وفي غياب الثوابت يصبح المثقف سريع الذوبان تحركه الحاجة دون جماح يكبح أو وازع فأحرى مناعة !!
لا مناعة ولا وازع يحول دون تحوره أوتراجعه أو تآمره متى تم المساس بمصالحه المادية التي لا يريد المساس بمجاريها سواء كانت مجاريها طاهرة أم قذرة !!
ومن غير المستحيل في حق أصحاب المجاري القذرة القيام بمؤامرات متى تم المساس بمجاريهم، ما يجعل الإحتكام إلى القانونية هو السد الواقي الحامي للمصالح العامة.
ثقافة التحور المذكورة تمثل أكبر وباء عانت منه البلاد خلال الحقب الأخير إذ أفسدت الملح وحلت محله كإكسير يهيئ الرجال لتبؤ المناصب العامة !!
تلك الثقافة تمثل خطرا حقيقيا على المجتمع والدولة في ظل رياح الزلل والتزحزح والعمالة التي تجتاح منطقتنا والعالم، ما يتطلب من القائمين على الشأن العام مراجعة أنفسهم وتغيير المسار كي يتمكنوا من حماية الخيمة من السقوط.
فاعتبروا يا ألي الأبصار