يُعتبر التعاون العسكري بين موريتانيا والولايات المتحدة من أبرز سمات العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة. ففي الفترة من 2024 إلى 2025، شهد هذا التعاون تحولًا نوعيًا، سواء على مستوى التدريب المشترك أو تبادل الخبرات أو دعم المشاريع الأمنية في منطقة الساحل.
هذا التعاون يعكس الحاجة الملحة للاستقرار في المنطقة التي تُعد من أكثر المناطق الأمنية هشاشة على مستوى العالم، وهو ما يعكس تطلعات كل من موريتانيا والولايات المتحدة لتحقيق مصالحهما المشتركة في مجال الأمن الإقليمي.
خلفية التعاون العسكري بين البلدين
تعود العلاقات العسكرية بين موريتانيا والولايات المتحدة إلى سنوات سابقة، حيث كانت قد بدأت في إطار برامج تدريبية ومساعدات أمنية تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الموريتاني.
في السنوات الأخيرة، وتحديدًا بعد تعيين الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في 2019، دخلت العلاقات العسكرية مرحلة جديدة من التفاهم والتعاون المستدام.
في 2024، تم توقيع بيان مشترك بين الجانبين في ختام اللقاء الثالث للجنة العسكرية المشتركة بين موريتانيا والولايات المتحدة، مما يعكس رغبة البلدين في تعزيز هذا التعاون في إطار استراتيجية أمنية شاملة.
المجالات الرئيسية للتعاون العسكري
**تدريب القوات الموريتانية**:
أحد أبرز أوجه التعاون بين الولايات المتحدة وموريتانيا هو التدريب العسكري المشترك. حيث تسعى واشنطن إلى رفع كفاءة الجيش الموريتاني، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب وحفظ السلام.
في هذا السياق، أكدت مصادر عسكرية موريتانية أن القوات الأمريكية ساعدت في تدريب وحدات موريتانية على كيفية التعامل مع التهديدات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل.
**التعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب**:
يُعتبر الساحل الأفريقي من المناطق الأكثر عرضة لتهديدات الجماعات المسلحة، مثل القاعدة وداعش. من هنا، يسعى الجانبان إلى تعزيز التنسيق الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب من خلال برامج تدريبية وتقديم معدات تكنولوجية حديثة.
في هذا الإطار، ترى بعض المصادر العسكرية أن التعاون الاستخباراتي بين الجانبين قد أسهم بشكل كبير في إضعاف نشاطات هذه الجماعات الإرهابية.
وجهات نظر الخبراء والمختصين
**الخبراء العسكريون الموريتانيون**:
يرى العديد من العسكريين في موريتانيا أن التعاون مع الولايات المتحدة كان له تأثير إيجابي على قدرات الجيش الوطني.
في حديث مع أحد الضباط الموريتانيين البارزين، أشار إلى أن البرامج التدريبية التي تقدمها الولايات المتحدة أسهمت في رفع جاهزية الجيش الموريتاني، خاصة في مجالات الحروب غير التقليدية مثل مكافحة الإرهاب والتمرد.
من جهة أخرى، يعتبر بعض الخبراء أن هذا التعاون يمثل فرصة لتحديث المعدات العسكرية وتحسين البنية التحتية للقوات المسلحة.
**الخبراء الأمنيون الدوليون**:
من جانبه، يرى عدد من الخبراء الأمنيين الدوليين أن التعاون بين الولايات المتحدة وموريتانيا يعكس التزام واشنطن بتعزيز استقرار منطقة الساحل. في تصريحات للخبير الأمني الدكتور “جون هاريس” الذي يعمل في أحد مراكز الأبحاث الأمريكية، أكد أن “الاستثمارات الأمريكية في موريتانيا تهدف إلى تقوية الجهود الإقليمية في مكافحة الجماعات الإرهابية في المنطقة”، مضيفًا أن “مساعدة موريتانيا على تقوية قدراتها الأمنية جزء من استراتيجية طويلة الأمد لدعم الاستقرار في الساحل الأفريقي”.
**مخاوف بعض المحللين**:
رغم الدعم الواسع الذي يحظى به التعاون بين البلدين، يعبر بعض المحللين السياسيين في موريتانيا عن مخاوف من أن يؤدي تعميق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة إلى تداعيات سلبية على استقلالية البلاد في اتخاذ قراراتها السيادية.
في هذا السياق، أشار المحلل السياسي الموريتاني “عبد الله ولد سيدي” إلى أنه “بينما يعد التعاون العسكري مع الولايات المتحدة مفيدًا من الناحية الأمنية، إلا أن هناك قلقًا من أن يؤدي ذلك إلى تبعية كبيرة قد تؤثر على قرار موريتانيا في شؤونها الداخلية”.
تأثير التعاون العسكري على الاستقرار الإقليمي
تعتبر منطقة الساحل الأفريقي من أكثر المناطق التي تعاني من انعدام الاستقرار، بسبب انتشار الجماعات المسلحة المتطرفة التي تهدد الحكومات المحلية.
ومن هنا، يُنظر إلى التعاون العسكري بين موريتانيا والولايات المتحدة على أنه خطوة هامة نحو تعزيز الأمن في هذه المنطقة.
وفقًا للتقارير الأمنية الصادرة عن “أفريكوم” (القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا)، فقد ساعد هذا التعاون في تحسين الوضع الأمني في موريتانيا ومنطقة الساحل بشكل عام.
وقد أثبتت الجهود المشتركة بين الجيشين الموريتاني والأمريكي فعاليتها في التصدي للتهديدات الأمنية، حيث قامت القوات الموريتانية المدعومة بالتدريب والمعدات الأمريكية بتنفيذ عدة عمليات ناجحة ضد الخلايا الإرهابية في المناطق الحدودية.
كما أن تعزيز التعاون الاستخباراتي قد أسهم في تصفية العديد من القيادات الإرهابية المهمة.
التوقعات المستقبلية للتعاون العسكري بين موريتانيا والولايات المتحدة
مع بداية عام 2025، من المتوقع أن يستمر هذا التعاون العسكري في التوسع، لا سيما في مجالات الدعم الفني والمعدات العسكرية.
تشير بعض التوقعات إلى أن الولايات المتحدة قد تزيد من مساعداتها العسكرية لموريتانيا في المستقبل القريب، مع التركيز على تحسين قدرة الجيش الموريتاني في التصدي للتحديات الأمنية المستقبلية في منطقة الساحل.
إضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات على أن الجانبين قد يعززان من تبادل المعلومات الاستخباراتية وتكثيف التدريبات المشتركة لتعزيز الاستعدادات لمواجهة التهديدات غير التقليدية مثل الهجمات الإلكترونية التي أصبحت جزءًا من تهديدات الجماعات الإرهابية.
الخلاصة
يُعد التعاون العسكري بين موريتانيا والولايات المتحدة في عامي 2024 و2025 خطوة استراتيجية هامة نحو تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة الساحل الأفريقي.
هذا التعاون، رغم فوائده الواضحة في تعزيز قدرات الجيش الموريتاني، يواجه أيضًا بعض التحديات التي تتعلق بالاستقلالية السيادية لموريتانيا. وفي النهاية، تبقى العلاقة العسكرية بين البلدين جزءًا من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار في واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا في العالم.
انتاج موقع الضمير الاخباري بواسطة الصحفي والمدير الناشر للموقع محمد عبد الرحمن أحمد عالي