موريتانيا حيث الزواج حسب الهرم الإجتماعي. سلطانة خليفة

 

تعرف موريتانيا كدولة أفريقية متعددة الأعراق والثقافات ، لكن هذا التنوع يصطدم بواقع وجود منظومة قيم اجتماعية وثقافية قائمة على التمييز بين أفراده وفئاته، وضع اجتماعي لم تأثر عليه على ما يبدو جميع التحولات الثقافية والسياسية التي مر بها الموريتاني منذ زمن بعيد.

ومن أبرز مظاهر هذا التمييز هي الزيجات المختلطة والتي تقف حجر عثرة أمام التعايش السلمي الكامل بين فئات المجتمع.

تنقسم طبقات المجتمع الموريتاني ظاهريا الى البيظان والكور، وفي داخل كل شريحة تتوزع طبقات اجتماعية وعرقية أصغر، وداخل كل فئة عرقية هناك تفاوت قائم على عدة اعتبارات منها ..مكانة الأسرة والنفوذ الإجتماعي والسياسي والأوضاع الإجتماعية المتوارثة عبر الأجيال، كل ذلك يتجلى بشكل واضح عند محاولة المرأة المطالبة بحريتها في اختيار شريك حياتها.
القبيلة حاضرة وبقوة في مواضيع الزيجات الموريتانية ، فزواج امرأة من قبيلة ما يعتمد على ما إذا كانت قبيلة المتقدم للزواج بها من نفس القبيلة أم أنه من قبيلة لا توجد بينها وبين تلك القبيلة أية خصومة او تراتبية تاريخية ، كما أن المرأة من مجتمع البيظان “العرب” لا يمكن أن تتزوج بأي حال من الأحوال بشخص من الزنوج ، كما لا يمكن للفتاة الزنجية أن تتزوج من عربي، وهو أمر لا يقبل التراجع أو إعادة النظر في عرف جميع هذه الشرائح..
محمد.د .م موريتاني من “العرب” قرر الزواج من فتاة زنجية، الفتاة هي من شريحة الفلان، ويعرف الفلان بأنهم يرفضون الزواج من شرائح أخرى، يقول محمد: تعرفت على فاطمة من خلال الدراسة، فقد كنا ندرس معا الى المرحلة الجامعية، بعد التخرج اخبرت عائلتي بنيتي الزواج من تلك الفتاة، قوبلت برفض تام من قبل والدتي، فقد كانت تحاول تزويجي من إبنة عمي، كان رفضها بسبب أن شريحة الفتاة ليست عربية ، لكني استطعت إقناع عائلتي والأني رجل لم يكن الأمر بتلك الصعوبة، اما فاطمة فقد حبستها عائلتها لفترة وجيزة ومنعوها من رؤيتي لمدة سنة ، كانت عائلتها ترفض رفضا قاطعا أن تتزوج أبنتهم من رجل “عربي” فبنظرهم الفتاة يجب أن تتزوج ممن يكافئها في النسب، أي أن يكون من نفس العائلة او من نفس القبيلة، استمر هذا الوضع لمدة سنة ونصف ، إلى دبرنا اجتماعا بين العائلتين افضى إلى قبولهم بزواجي من ابنتهم بشرط أن تعيش في منزل العائلة..

المرأة في موريتانيا تعاني التمييز حتى ضمن الشريحة الواحدة، فبالتالي اصبحت هي الضحية الأولى لتداعيات مثل هذه الزيجات، حيث تعرضت عديد النساء الموريتانيات اللواتي قررن التمرد على النسق المتعارف عليه في الزواج للعنف والاضطهاد والنبذ من قبل عائلاتهن وشرائحهن الإجتماعية.. وأصبحن ما بين جحيم التخلي عن من اخترنه ليتشاركن الحياة معه والعار الذي يلحقهن إن قررن الزواج منه.

يقول السيد إبراهيم بلال _مدير هيئة الساحل وهي منظمة حقوقية..
ظاهرة الكفاءة في الزواج و المشاكل التي تنجم عن محاولة البعض القفز على تلك التراتبية هي ظاهرة قديمة و كثيرا ما تكون الفتاة هي الضحية. لان المرفوض هو زواج البنت من شخص لا يناسبها اما الابناء فلهم كامل الحق في الزواج ممن أرادوا و اذا كان ثمة رفض فهو داخلي خفيف
المرفوض هو زواج الفتاة من شخص غير كفء في نظرة المجتمع لانها هي تنتمي الى عائلة فوق عائلته في تراتبية المجتمع تتمسك بتلك القوالب و تحافظ على الوهم ..
في الماضي كثيرا ما تنجح الأسر في تعطيل ذلك الزواج و فكه حتى بعد ان يتم . و يعود ذلك على الضحية بأضرار نفسية احيانا قوية جدا تصل بها الى حد الجنون .. و اذا هي أصرت تفقد أهلها و في ذلك أيضا اضرار أخرى.
اليوم هذه الظاهرة بدأت تخرج عن السيطرة حيث تنجح الفتاة أحيانا كثيرة في إقناع أهلها بأن خيارها لا رجعة فيه و تفشل أحيانا اخرى لان القضاء مازال متواطئ و خاضع للعادات و يتذرع لذلك بمسألة الولي : ” لا يجوز ان تنكح المرأة بدون إذن وليها ” و هو حديث ضعيف و ربما مجرد تقليد مأثور ..!
نحن كحقوقيين دورنا جد محدود في مثل هذه الحالات لان المؤازرة التي يمكننا القيام بها تتطلب ان تقبل الفتاة الضحية مجابهة أهلها و جرهم الى القضاء و نادرا ما تكون الفتاة مستعدة لذلك بل تميل الى الهروب و الابتعاد عن المجابهة و في ذلك تضعف قدرتنا على المؤازرة مادامت صاحبة القضية غير مستعدة لرفع دعوى و الوقوف خلفها..
يبقى دورنا محصور في الاعلام و النشر حول الحادثة و تخوين القضاء و الضغط عليه إعلاميا حتى لا يبقى حبيس العادات الظالمة أحيانا يسعف الفتاة ان يكون احد الوالدين يتقبل خيارها .
قبل اشهر قليلة اتصلت بنا امرأة ( حرطانية ) قالت انها تريد تزويج ابنتها من ابن خالها ( حرطاني هو ايضا ) و لكن والد الينت ( من اصول زنوج ) يرفض ذلك معتبرا ان الخطيب لا يكافىء ابنته ..
شجعت المرأة على اللجوء للقضاء و فعلا والقاضي استدعى والد ابنتها ( منفصل عنها طبعا ) و اعطاه مهلة لقبول الزواج و الا فالقاضي سوف يزوجها، و لم يأتي في الموعد فزوجها القاضي الشخص الذي تريد هي و امها و لجأ الاب الى الاستئناف و تأكد حكم القاضي بعد منح الاب فرصة أخرى لصون العلاقة و ماء وجهه ..
لكن هذا كان يمكن ان لا ينجح لو أن الأسرة ذات مكانة في المجتمع فهولاء يكونون فوق القانون …

لا يقتصر النبذ الذي تتعرض له تلك النسوة عليهن كأفراد، بل يتحمل وزره أبنائهن الذين ولدوا نتاج تلك الزيجات على مدار حياتهم، ويصبح ذلك الزواج وصمة عار يحملنها أينما ذهبوا، وهو سلاح يتم تهديد النساء به من قبل جميع الشرائح التي ينتمين إليها…

محمدو أحمد باحث إجتماعي: هذه الظاهرة كانت نادرة الوجود فيما سبق، الأمر الذي أدى إلى هذا الرفض الكبير الذي نراه الآن، فالمجتمع الموريتاني حديث العهد بالحداثة دائما ما يقابل بالرفض كل أمر لم يعتد عليه، السماح بهذه الزيجات هو عامل إيجابي فيما يتعلق بالوحدة الوطنية وهو الأمر الذي يجب أن يعمل عليه المهتمون بالمجال، وحدوث زيجات من هذا النوع ولو كانت على نطاق ضيق يساهم بشكل كبير في انفتاح المجتمع بشكل تدريجي، كما تجب مناقشة هذه الظاهرة أكاديميا وطرحها للنقاش العام لكي يعي الرأي العام أهمية هذا التنوع الثقافي الموريتاني الثري الذي يُترجم من خلال هذه الزيجات.

المجتمع الموريتاني بتنوعه العرقي والثقافي وبالرغم من التعايش السلمي الظاهري بين مكوناته، فهو لا يزال يرزح تحت وطأة التمييز العرقي والطبقي الذي تمارسه طبقات ضد أخرى متحججة بالتاريخ والأنساب و متجاهلة أبسط حقوق الإنسان والمرأة خاصة..

“تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *