موريتانيا:بيع الكمامات .. فرصة عمل خلقها كـورونا / أموه أحمدنـاه

“هذا من فضل الله عزّ أن يغلق بابا دون فتح آخر” ،هكذا يقول محمد وهو يحمل معه متاعه من الكمامات التي أصبح يبيعها بعد ظهور فيروس كورونا في موريتانيا،حيث عرفت إقبالا بغية الاحتراز والوقاية من الإصابة،ويضيف محمد وهو يتحدث عن تجربته مع بيع الكمامات قائلا:
“لقد كنت أعتمد على بيع الملابس المستعملة،وهي بالمناسبة تنال اهتماما كبيرا عند الإنسان الموريتاني،غير أن دواعي الاحتراز التي حملت على الخوف من كل ما هو قادم من خلف البحار،جعلت تجارتي تعيش على وقع الكساد،ولم أفكر كثيرا قبل التوجه لبيع الكمامات،خاصة أنني شاهدت أيام كورونا الأولى في موريتانيا الإقبال الذي عرفته من لدن الناس،لذلك قمت باقتنائها والتوجه لقلب العاصمة،وصحيح أنها تجود بالدخل لكنه دخل يتأرجح بارتفاع الإصابات،فإذا ارتفعت ارتفع الدخل والعكس صحيح”.

لعل من الأمور التي تحمل على الاستغراب أن يكون للوباء العالمي جانب إيجابي،غير أن ذلك الاستغراب يزول بعد جولة قصيرة وسط قلب العاصمة نواكشوط،حيث يعثر المار على أعداد كبيرة من الشباب والشيوخ الذين اتخذوا من بيع الكمامات وسيلة للعيش،وهي التي عرفت رواجا كبيرا خلال فترات تفشي الوباء في البلاد،مع دعوة الجهات الصحية إلى ضرورة احترام الإجراءات الاحترازية،التي شملت ارتداء الكمامة في الأماكن العمومية،الأمر الذي خلق دخلا يقي سؤال الناس والاعتماد عليهم يؤكد إبراهيم،وهو رب أسرة تتكون من طفلين ويضيف:
“في بداية الوباء امتدت البطالة ومدت أطنابها بين الناس،فأصبح الكثير بلا عمل دون مقدمات،تخلت بعض المؤسسات والأسر وأصحاب المحلات وغيرها عن جلِّ العمال،ولأن غريزة البقاء وواجب البحث يدفعان الإنسان للأمام كل مرة،فقد أرشدني أحدهم لبيع الكمامات،مضيفا أنها تعرف إقبالا من لدن الناس،وهكذا وجدت بديلا عن عملي القديم سائقا لدى أسرة،حيث كنت أقوم بتوصيل التلاميذ للمدرسة،ومن خلال هذا العمل أعيش الآن بخير دون اللجوء للآخرين،حيث يجود عليَّ بدخل يكفيني ويضمن لي حياة كريمة”.

في بداية ظهور كورونا عرف سعر الكمامات ارتفاعا جنونيا،بفعل الخوف الذي ساد المشهد كما يقول مراقبون،الأمر الذي أدى لتضارب واضح في أسعار الكمامات،ومع عدم وجود دراسة اجتماعية أو احصائيات حول مدى امتصاص هذه المهنة للبطالة في صفوف المواطنين،فإن تزايد أعداد المقبلين عليها يكشف جانبا من السؤال حول النسبة،وحول الدخل اليومي يؤكد من لقيناهم أنه يتراوح بين ألف وخمسمائة إلى ألفين أوقية قديمة(4 إلى 6 دولار)،أما الذين يشرفون على صناعتها فيتحدثون عن دخل يومي يصل أحيانا أربعة آلاف أوقية قديمة(11 دولار).

ربما يدور في الخلد سؤال حول ظروف بيع الكمامات في الشوارع،مع الإشارة لظروف تغليفها الذي يشرف عليه البائع،وعن الخطوات التي تضمن جدوائية الكمامة وعلى البائع اتخاذها يقول الدكتور مختار عباد الطبيب بالإدارة العامة للصحة:
“على أصحاب بيع الكمامات الإلتزام بارتدائها قبل كل أحد،إلى جانب المحافظة على نظافة اليدين تفاديا لأي خطر قد ينجم عن ذلك،وينضاف لما سبق تعقيم الكمامات حتى تقوم بدورها من الوقاية ضد الفيروس،مع مراعاة من لديهم حساسية من هذا الأمر،أما الذين يقومون بصناعتها يدويا فيجب عليهم التقيد بالطريقة الصحيحة لصنع الكمامة،من حيث القماش وهو معروف ويجب أن يكون على طبقات معينة”.

موجات كورونا المتفاوتة التي عرفتها موريتانيا لم تخلق فقط فرص عمل من خلال بيع الكمامات،بل أصبحت تصنع يدويا من الألف حتى الياء،وعلى صناعتها تشرف أياد موريتانية وجد أصحابها فرصة في هذه الصناعة التي شكلت رزقا في زمن تعثر فيه الاقتصاد،بفعل الفيروس الذي أثقل كاهل مختلف دول العالم،ما أسهم بشكل كبير في التخفيف من وطأة الجائحة،وبحسب الباحث الاجتماعي والأستاذ بجامعة نواكشوط العصرية الحسين بديدي فإن هذه المهنة التي خلقها كورونا لم تسهم بشكل لافت في زيادة دخل ممارسيها ويزيد:
“عدم اكتراث الكثير من الناس للإجراءات الاحترازية التي شملت ارتداء الكمامة كان عاملا هاما في محدودية الدخل أثناء الجائحة،خاصة أن من بين الناس من يلجأ لبدائل من قبيل اللثام،ناهيك عن رمزية أسعارها كسلعة وتوفرها بالمجان لدى جهات معينة،ومع ذلك فقد أضحى بيعها في الشوارع رائجا،وبشكل خاص عند باعة الرصيد على جنبات الطريق،وعند أصحاب المحلات التجارية الصغيرة والكبيرة على حد السواء”.

ويتحدث المعلوم وهو أحد الذين يعيشون يومياتهم على جنبات الطرق لبيع الكمامات عن ما يصفه بالشمعة التي ظهرت في آخر النفق،فبعد أن بدأ يفقد الأمل تدريجيا في عمل جديد يحل محل عمله في مجمع تجاري،وجد البديل في بيع الكمامات وإن كان ذلك تحت أشعة الشمس الحارقة في كثير من الأيام ويضيف المعلـوم:
“لبثت شهرا كاملا دون عمل،وتجلت بطالتي على أسرتي التي كنت أعيل عليها بعد وفاة والدي،ولأنني لا أملك رأس مال فقد استطعت بمال قليل اشتراء بعض الكمامات ثم شرعت أجول بها وأصول في ضواحي العاصمة وأمام المستشفيات،لم تكن البداية بذلك القدر الكبير من التوفيق،ومع ذلك فقد حملت الأيام ما يسرُّ النفس،حيث أقبل الناس على شراء الكمامات بشكل خاص بعد قرار الدولة القاضي بفرض ارتدائها في الأماكن العمومية حيث التجمعات،سعيا للحد من تفشي الوباء بين المواطنين “.

لقد فتح بيع الكمامات المجال أمام الكثير من الراغبين في الكسب الحلال،ورغم عدم الاكتراث في كثير من الأحيان بالإجراءات الاحترازية،إلا أنها لم تعرف الكساد بحسب أصحابها الذين يعتمدون عليها كوسيلة مؤقتة للعيش،ولا يعرفون خطوتهم المقبلة عندما يصبح كورونا مجرد خبر لكان.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *